نبض أرقام
13:14
توقيت مكة المكرمة

2024/05/11
2024/05/10

سوق دبي المالي.. نافذة إسلامية

2006/12/09 الخليج-د.أشرف دوابة

شهدت الصناعة المالية الإسلامية تطورا ملحوظا ونموا متزايدا حتى فرضت المؤسسات المالية الإسلامية نفسها في البيئة المالية العالمية.

وتشير الإحصاءات الى ان المؤسسات المالية الإسلامية يزيد عددها على 350 بأصول تتجاوز 400 مليار دولار امريكي وتنمو سنويا بمعدل ,%24 وهي بذلك تعتبر من أسرع القطاعات المالية نموا في العالم.

وجذب هذا النمو الملحوظ اهتمام العديد من المصارف والمؤسسات المالية العالمية التقليدية، فسعت الى تحقيق ما تصبو اليه من ربحية من خلال تقديم خدمات مصرفية اسلامية، وفي مقدمة ذلك مجموعة هونج كونج سنجهاي المصرفية، وتشيس مانهاتن.

كما شهدت بريطانيا ميلاد بنك بريطانيا الإسلامي العام 2004 وافتتحت بنوك مثل “اتش اس بي سي” (HSBC) وسيتي بنك (CITY BANK) فروعا اسلامية في الشرق الأوسط، كما طرحت مؤسسة سكسوني أنهلت (SAXONY - AN (ALTب منتجات اسلامية خارج العالم الإسلامي، وتم اطلاق مؤشرات داوجونز الإسلامية (Dow Jones Islamic) في العديد من الاسواق المالية العربية والعالمية.

وفي هذا الإطار وتماشيا مع هذا الاتجاه جاءت خطوة ادارة سوق دبي المالي بإعلانها عن البدء في اجراءات تحويل سوق دبي المالي الى سوق مالي إسلامي عالمي، بعد ما حصلت اخيراً على موافقة لجنة التنسيق بين هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية في الامارات.

وأعلنت ادارة السوق عن هدفها من هذا التحول ممثلا في إيجاد سوق مال إسلامي عالمي يستقطب الاستثمارات المحلية والعالمية الراغبة في الالتزام في استثماراتها بأحكام الشريعة.

وسوف يستمر السوق في توفير خدماته التقليدية للراغبين بها بحيث يتم الاستمرار في إدراج كافة أنواع الشركات المحلية والعالمية مع فصل الحسابات الخاصة بتلك الخدمات التقليدية والإفصاح عنها، وذلك لتلبية متطلبات كافة فئات السوق وتقديم خدمات فريدة ومميزة لهم.

وجاء ضمن مبررات هذا التحول ان %98 من ايرادات سوق دبي المالي متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، و%2 فقط هي رسوم لخدمات تقليدية، بالاضافة الى انه في الأساس يتم استثمار كافة السيولة الزائدة المتوافرة لدى سوق دبي في أوجه استثمار متفقة مع الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإن التحول إلى سوق إسلامي هو قرار منطقي واستراتيجي في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالاقتصاد الاسلامي والاستثمارات المتوافقة مع الشريعة وسعي دبي الى ان تكون قبلة للاقتصاد الإسلامي في المنطقة والعالم.

ومما لا شك فيه ان هذه الخطوة طيبة وجريئة وتفتح المجال لتعميم الاسواق المالية الإسلامية في الدول العربية والإسلامية وتعضد من خطوة إنشاء السوق المالية الإسلامية الدولية التي تم الإعلان عن قيامها في البحرين في العام 2002 وشارك في إنشائها كل من البنك الإسلامي للتنمية والبحرين وماليزيا واندونيسيا وبروناي والسودان والتي ما تزال جهودها تتسم بالضبابية في الواقع العملي.

كما ان هذه التجربة سوف تسهم في فتح المجال لتحقيق المقصد الشرعي بحفظ اموال المسلمين واستثمارها لصالحهم في ديارهم، فضلا عن فتح المجال أمام الأموال العربية المهاجرة والتي تقدر بنحو 3 تريليونات دولار للعودة مما يعود بالنفع المباشر على الدول العربية والإسلامية.

ولكن يبقى بعد ذلك ان نرى ما سوف تسفر عنه تلك التجربة.. فأسلمة السوق ينبغي ألا تقتصر على كون ايراداته متوافقة مع الشريعة الإسلامية، أو ان تكون الأوراق المالية المتعامل عليها في السوق اسلامية من خلال كونها حلالاً من الناحية الشرعية ورأس مالها قائم على المشاركة وعائدها قائم على الغنم والغرم، أو من خلال مراعاة طبيعة موجودات المنشآت والتي تحتوي احيانا على خليط من نقود وديون وأعيان ومنافع أو بعض هذه المكونات منفردة عند تداول الأوراق المالية.

إنما ايضا ان تكون ضوابط التعامل في هذا السوق ضوابط اسلامية وألا يؤثر السوق التقليدي وما فيه من معاملات تأثيرا مباشرا على السوق الإسلامي فتسيطر اجراءات السوق التقليدي من الناحية العملية عليه، وفي هذا الإطار تبدو اهمية التزام السوق المالي الاسلامي بالإفصاح والشفافية تطبيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما”.

وتجنب الاساليب غير الاخلاقية في التعامل والتي ادت الى انهيار العديد من البورصات وضياع اموال المستثمرين فيها وفي مقدمتها عمليات البيع الصوري من خلال خلق تعامل مظهري على سهم ما أو اكثر، واتفاقيات التلاعب في الاسعار التي تقوم على ترويج الإشاعات للتحكم في الأسعار وكسب فروق الأسعار لأن كلا الأمرين يدخل تحت بيع النجش المنهي عنه شرعا، وكذلك عمليات الاحتكار من خلال عمليات الإحراج التي يسعى المضاربون من خلالها لجمع الأوراق المالية ذات النوع الواحد في يد واحدة ثم التحكم في سعر الورقة المالية، وكذلك المقامرات تحت مسمى المضاربات.

فالمضاربة مثل ملح الطعام قليل منها يصلح البورصة وكثير منها يحولها الى مقامرة تودي بأموال المقامرين في نهاية المطاف، وكذلك الربا من خلال البيع على المكشوف والشراء الهامشي والمشتقات المالية التي اصبحت وبالا على الاسواق المالية العالمية.

إننا نأمل نجاح التجربة، ونتمنى ان يتحول سوق دبي بكامله فيما بعد الى نافذة واحدة للمعاملات الإسلامية تغلق دونه نافذة المعاملات التقليدية، وان تصبح تلك التجربة نموذجا تستهدي به الاسواق المالية على المستوى العالمي وان تكون نواة لإنشاء سوق مالية إسلامية موحدة تجوب ربوع العالم الإسلامي.

الأكثر قراءة